دخلت الخيل إلى مصر في نهايات عصر الدولة الوسطى، أي حوالي 1780 قبل الميلاد، وارتبط دخولها بوصول جماعات من البادية عرفهم المصريون القدماء باسم الهكسوس، أي حكام الصحراء. وسرعان ما أحب المصريون الخيل، وبدأوا في اقتناء أحسن سلالاتها من منطقة شبه الجزيرة العربية. وكانت أجمل الهدايا التي تأتي إلى فرعون مصر هي التي تضم فرسًا جميلاً صوره الفنان المصري على جدران المقابر والمعابد الفرعونية، بعدما أصبحت الخيول سلاح حرب استخدمه الفراعنة في حروبهم، يقود عجلاتهم الحربية الشهيرة، أو يمتطيه الفرسان، وتفننوا في تزيين هذه الخيول، وفي عمل سروجها وأغطيتها التي زُينت بالذهب والفضة. ومن أجمل ما تم الكشف عنه في مقبرة الملك "توت عنخ آمون" هو غطاء الفرس الخاص به، وكان مصنوعًا من الجلد المذهب والملون، وصورت عليه مناظر بديعة للفرعون نفسه. وأصبحت في مصر منذ عصور الفراعنة أجمل وأغلى السلالات من الخيول التي حافظوا عليها طيلة قرون عديدة. بدأ الاهتمام بالخيل في مصر منذ القدم، فقد عرف المصري القديم الخيل منذ العصر الحجري، وقد سجلت الرسوم الصخرية والحجرية صورًا للخيول، وقد اهتم الفراعنة أو المصريون القدماء المهتمون بالخيل، وقاموا بجلب الخيول الأصيلة من الشرق، وقاموا بتصميم برامج لتربيتها فاقت كل المنافسين في هذا المجال، ويرجع سبب تميز الفراعنة في مجال الخيول إلى اعتمادهم عليها في خوض الحروب والمعارك من ناحية، وكذلك الاهتمام بتربيتها في الإسطبلات الملكية.
ويذكر وليم نظير في كتابه "الثروة الحيوانية عند قدماء المصريين" انه حتى الان لا يعرف أصل الكلمة التي ظهرت في اللغة المصرية القديمة واللغات السامية للحصان، فهي في البابلية (سسو) وفي العبرية سوس وجمعها (سوسيم) واشتق منها الاسم الهيروغليفي (سسم) ومؤنثه (سسمت)، ويرجح أن لفظه (سيسي) و (سايس) اللتان نستعملهما الآن مشتقتان من الاسم القديم.
وكان المصريون القدماء يعنون بتربية الخيل ويستخدمونها في الأعمال الزراعية والنقل والحرب، وقد أنشأوا لها اسطبلات منظمة وخصصوا لها الخدم للعناية بها وبخدمتها.
وقد عرفوا الحصان كوسيلة للأنتقال أفضل بكثير من الحمار. وذكر في (قصة الأخوين ) من الأدب المصري القديم أن الفلاحين استخدموا الخيل في جر المحاريث وقد شوهد جواد يجر محراثا في معبد "خنسو" من عهد الرمامسة. ومما ذكره (بلوتارك ) أن المصريين كانوا يعرفون الخيل من عصر معبوداتهم لأن الإله "حوريس" سأل مرة أباه عن أنفع الحيوانات للحرب فقال له الخيل التي يلحق الإنسان بها عدوه فيقتله.
ومع وجود هذه العبارة لم ير للخيل أثر إلا في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وقد استخدمت الخيل في القتال لا سيما في جر عجلات الحرب، وكانوا يختارون منها ما كان جسورا شديد الحماسة. وكانت خيول رمسيس الثاني تحتاج في كبحها إلى ثلاثة من الخدم يمسكونها من لجامها. وقد مثلت الخيول المصرية على الآثار دائما وهي تشب أو تضرب بقوائمها في هياج، واستخدموا ذكر الخيل عادة أم الأنثى فقد ندر استخدامها.
وكان الشخص يزهو بما يملك من خيل " ويفخر على كل انسان بجواديه الممتازين". وقد عثر على نص من عهد رمسيس الثاني يذكر "قطعان الخيل" التي جلبت إلى مصر من بلاد الحيثين.
ولم يكف فنانو عصر الدولة الحديثة عن تمثيل الحصان باستمرار. وكان للجياد المصرية شهرة عظيمة عند سائر الأمم المعاصرة. وقد ذكر في التوراة (الملوك الأول – 4: 28 و29) أن سيدنا سليمان عليه السلام كان يشتري الخيل التي تلزمه من مصر بمائة وخمسين شاقلا من الفضة للجواد الواحد وذلك من جماعة التجار الذين يتنقلون بين مصر وسوريا.
وكانت الأعنة تستخدم لقيادة الخيل وتمضي فوق (عقافه) في الكفل إلى (الشكيمة) وطريقة إلجام الفرس هي الطريقة نفسها الشائعة الآن في كل مكان. ومنذ عهد الأسرة التاسعة عشرة كانت الأغطية تستخدم أيضا لعيون الخيل.
وقد اعتاد المصريون القدماء أن يطلقوا أسماء لها رنين خاص على خيول الفراعنة، فقد سمي مثلا زوجان من الخيل لسيتي الأول (آمون يمنح القوة) و(آمون وافاه النصر (وحصانا جلالته الأولان العظيمان).
وكان بعض الخيول ذات لون أبيض جميل، ويبدو أن الحصان لم يكن معروفا في ذلك الوقت. ومن النادر أن نجد صورة تمثل مصريا يمتطي صهوة جواد، فقد كان العمل الرئيسي للحصان في الأصل ينحصر في جر العربة، وقد بقيت الحال كذلك إلى عصور التاريخ المتأخرة. ومن جهة أخرى فقد كان المصريون القدماء في عصر الدولة الحديثة يعرفون أن ركوب الخيل عادة أجنبية، ويدل على ذلك كثير من الصور المختلفة التي تمثل الأعداء الهاربين على ظهور الجياد أو التي تمثل إلهة الحرب الآسيوية كفارسة.
وكانت تطلق أسماء لها رنين حلو على خيول الملك الخاصة، "حصانا جلالته الأولان العظيمان" وقد سمي مثلا زوجان من الخيل لسيتي الأول "آمون يمنح القوة" و"أمون وافاه النصر" وكان الزوج الثاني يسمى أيضا "عنات (إلهة الحرب) راضية" وكما يتضح من هذه الأسماء كانت الخيل تستخدم أيضا في القتال ومن ثم كان يختار منها ما كان جسورا شديد الحماسة وكانت خيول رمسيس تحتاج في كبحها إلى ثلاثة من الخدم عدا السائق يمسكونها من لجامها وكانت الخيول المصرية تمثل دائما تمثل دائما وهي تشب أو تضرب في الأرض بقوائمها في هياج وكان المصريون يستخدمون الذكر من الخيل عادة أما الأنثى فكان استخدامها نادرا وكانت الخيول كمية اللون غالبا، على أننا نجد مرة زوجا من الخيل ذا لون أبيض جميل ويظهر أن "الخصاء" لم يكن معروفا إذ ذاك.
ولم يستخدم الحصان في مصر القديمة للركوب إلا في أحوال نادرة جدا، إذ من النادر أن نجد صورة تمثل مصريا يمتطي ظهر جواد، وليس في سائر الآثار الأدبية للدولة الحديثه موضع واحد يتحدث على وجه التحقيق عن فارس مصري. على أنه من جهة أخرى كان المصريون في الدولة الحديثة يعرفون أن ركوب الخيل عادة أجنبية، ويدل على ذلك كثير من الصور المختلفة التي تمثل الأعداء الهاربين على ظهور الجياد أو التي تمثل إلهة الحرب الأسيوية كفارسه.
وخلال معارك طرد الهكسوس من مصر اضطر حكام طيبة وهم أحمس، أمينوفيس الأول، أمينوفيس الثاني، وعائلة تحتمس أن يتعقبوهم إلى فلسطين وسوريا؛ وذلك حفاظًا على أمن البلاد وسيادتها، كذلك فقد حرصوا على تأمين البلاد ضد الغزاة الخارجين، ومن وقتها أصبح الفرعون هو قائد الجيش، وقائد القوات المحاربة، وقائد لعربته التي يجرها الخيل، وخلال تلك الفترة تم صقل مهارات تدريب الخيل وفن قيادة العجلات الحربية التي تجرها الخيول. وقد وجد أن هناك استخدامًا عسكريًّا واسعًا للحصان في مصر بدأ في عهد تحتمس الثالث (1450 ق.م.- 1504 ق.م)، وهو أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة لمصر، وفي عهده ظهرت مملكة ميتاني وهي مملكة قديمة تقع في شرق البلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات)، ومثلت تلك المملكة خطرًا على الشرق، وكانت متقدمة جدًّا في مجال تربية الخيول، ونتيجة الحروب مع الميتانيين تأثر الخيالة المصريون بهم، ومن ثم حذوا حذوهم في مجال تربية الخيول. والميتانيون هم أول من أقاموا سباقات الخيول واعتنوا بخيول السباق، وهم رواد في تربية وإدارة كل مراحل تدريب خيول الفرسان.
ومما أدهش علماء الآثار هو وجود نصوصٍ مكونة من آلاف السطور تحتوي على تعليمات عن تربية وتدريب الخيول للحرب، وتعتبر هذه النصوص هي أقدم ما كتب عن الخيل، ويعود تاريخها إلى أكثر من 3400 سنة، مكتوبة باللغة الحيثية؛ وهي لغة تنتمي إلى اللغة الهند أوروبية، وبقايا هذه المكتبة وجدت في عاصمة مملكة الحيثيين (والحيثيون القدماء هم الذين عاشوا في الأناضول في سوريا في الألف الثاني قبل الميلاد)، ووجد فيها مجموعة هامة من المعلومات عن فن تربية الخيل، منها: أن الفترة الكافية لتدريب الخيل هي سبعة شهور؛ لكي يستطيع الخيل الالتزام بالقواعد والشعور بالموالاة لصاحبه أو من يقوم بتدريبه، وقد استأجر ملك الحيثيين في ذلك الوقت الخيل التي يركبها وغيرها من "ميتاني"؛ وذلك حتى يستطيع إدارة إسطبلاته الملكية وفقًا لأحدث الأساليب في ذلك العصر، وبذلك أصبحت إمبراطورية الحيثيين كبيرة مبنية على المناورة التي تتميز بها خيول الحرب التي تمتلكها.
أطلق على تحتمس الثالث "نابليون مصر القديمة" حيث توغل شمالاً حتى نهر الفرات بالعراق، وكان أول من عمل على تعزيز مملكته في المناطق السورية والفلسطينية، واصطدم مع الميتانيين، واستطاع القضاء عليهم وتوسيع الإمبراطورية المصرية إلى ما وراء نهر الفرات، وكانت الخيول والعربات من أهم الغنائم، حيث كان يتم الحصول على أعداد كبيرة من الخيول التي تم جرحها وإحضارها إلى جنوب مصر مع الأسرى الذين يعرفون جيدًا كيف يعتنون بالخيل، من بينهم: دارسو اللغة الحيثية التي كتبت بها العديد من النصوص عن الخيول.
فضل المصريون القدماء استخدام الخيول في جر العجلات الحربية، وذلك خلال المعركة الكبيرة في قادش ضد الحيثيين، وانتهت بهزيمة الحيثيين، وتلك العجلات الحربية نقلها المصريون القدماء عن الهكسوس.
وأثناء معركة "قادش" حدث موقف شيق جدًّا، كان ملك قادش يعلم أنه مقبل على الهزيمة إذا لم يستطع هزيمة جيش تحتمس، ففي الوقت الذي كان فيه المصريون يحاربون في مدينة مجاورة، أرسل ملك قادش فرسه (أنثى خيل) في مواجهة عربة من عربات الخيول المصرية، آملاً أن تُحدث ارتباكًا في المعركة وينقلب الأمر، إلا أن الذي حدث هو أن أحد المصريين ويدعى أمنحب قفز من عربته وأوقع أنثى الخيل على قدمها حتى أمسكها وقتلها، وقطع ذيلها وأعطاه للملك، وبدأ عصر الملوك المحاربين في مصر، ومع سقوط قادش انتهى آخر فلول الهكسوس في مصر.
كان تحتمس على يقين أن ابنه أمينوفيس الثاني (1450-1415 قبل الميلاد) سيكون قادرًا على الإمساك بزمام الإمبراطورية التي أسسها. كان أمينوفيس في سن الثامنة عشرة ولكنه كان ناضجًا، تعلم كل دروس الحرب، وتعلم أيضًا كيف يدرب ويركب الخيول، ولم يكن هناك من هو أحسن منه في الجيش، ولم يكن هناك من يستطيع هزيمته في أي سباق للخيل وكان تحتمس فخورًا بابنه، وسمح له بالتعرف على أفضل أنواع الخيول الموجودة بالإسطبلات الملكية وأمره بالاعتناء بها، وعلمه كيف تطيعه، وبذلك اعتنى أمينوفيس الثاني بالخيول وبالإسطبلات الملكية، والخيول التي كان يقوم بتدريبها كانت دائمًا الأفضل. فعندما كان يشد اللجام لم تكن تلك الخيول تتعب أو تحتاج إلى الحلوى، بعد ذلك سافر أمينوفيس الثاني إلى سوريا؛ لجلب الخيول والعربات، وبعدها أصبحت مصر هي المركز القيادي الأساسي للخيول في الشرق، واحتوت الإسطبلات الملكية للفرعون وللجيش على الآلاف من أفضل الخيول العربية الأصيلة.
كذلك أيضًا قام تحتمس الرابع (1411-1420 قبل الميلاد) بعمليات صيد واسعة للأسود والحيوانات المفترسة، وعمل أيضًا على تدريب الخيول (بحيث أصبحت أسرع من الرياح). والحقيقة هذا التشبيه يستحق منا كل تقدير؛ لأنه أصبح بعد ذلك يطلق على الخيول العربية أنها سريعة مثل الرياح.
تولى رمسيس الثاني الحكم بعد وفاة أبيه سيتي الأول (1220- 1225 قبل الميلاد)، وقد واجه في تلك الفترة خطرًا في سوريا مع الحيثيين، حيث حاول الحيثيون مفاجأة رمسيس الثاني والهجوم عليه، مستغلين انقسام حدث داخل صفوف جيشه، وأصبح رمسيس الثاني محاطًا بعدد من عربات العدو ولكنه حاربها وحملته عربته أثناء المعركة دون أن يحدث له ضرر، وانتهت المعركة لصالح مصر.
وعندما ترجل رمسيس الثاني من عربته، كان أول ما فكر فيه هي خيوله التي حملته أثناء المعركة، فهذه الخيول لم تكن مجروحة من أثر المعركة، ومجرد فقط أنها تلطخت بالدماء والتراب، وتطايرت بعض الزينة التي كانت تزينها، وانكسرت القلادة التي كانت حول رقبتها!
وحتى يتأكد من أن الأجيال القادمة سوف تكون على علم بأصالة الخيول التي كانت يمتلكها سجل للأجيال القادمة هذه السطور:
"لقد حاربت بيدي وتصديت لملايين الشعوب، وقوتي في طيبة ومنف تمثلت في خيولي العظيمة، والتي كانت في يدي عندما كنت وحيدًا في خضم العدو المرتجف، لذلك فإن غذاءهم يقدم لهم أمامي كل يوم بالقصر".
لقد كان هناك مكان شرفي في الإسطبلات الملكية مخصص للخيول المفضلة لدى الملك، يقدم لها يوميًّا حصة غير محددة من الطعام وذلك على عكس باقي الخيول، كذلك الأمر بالنسبة لزينتها، فإنها كانت مختلفة عن باقي الخيول وفي وصف الحيثيين لمعركة قادش مع رمسيس الثاني، ذكروا أن البعض حارب على الخيول التي يركبونها من خلال إمساكهم باللجام ودون أن يكون هناك سروج، والشيء الأفضل أيضًا كانت العربات التي تجر الخيول وهذا إن دل فهو يدل على غرابة وتميز هذا النوع من الخيول الأصيلة، وخاصة لدى المصريين، فخيول الحيثيين كانت بسيطة بالمقارنة بالخيول التي استخدمها المصريون في المعركة، والتي ساعدتهم في تحقيق النصر.
الحملات الآسيوية التي قادها رمسيس الثاني والروح العسكرية التي أيقظها وأنعشها أحمس الأول بعد طرد الهكسوس انتهت تمامًا، ولم تعد كما كانت على الرغم من استمرار تربية الخيول في أرض مصر وحول نهر النيل، وبعد أن أصبحت مصر هي المورد الرئيسي للخيول العربية، وعلى الرغم من غزو رمسيس الثاني للعديد من أراضي الحيثيين في الشمال لم يستطع أحد أن يقلص من قوتهم، وهذا هو سبب توقفه عن المواجهات معهم.
لم يدم السلام طويلاً، وبعد سنوات قليلة هبط الفلسطينيون القدماء على الأراضي المقدسة ومصر، وتحركوا نحو مصر، وبدأ رمسيس الثالث (1198-1166 قبل الميلاد) مثل باقي أسرته إعداد العدة؛ لدخول المعارك. وأهم ما في ذلك الخيول السريعة والعربات المجهزة لجر الخيول، والتي تستطيع أن تقهر الجنود تحت أقدامها.
كذلك أيضًا سجل ملك النوبة القديمة بيناخي الكثير عن الفراعنة المصريين وخيولهم، والفرعون بيناخي (751-716 قبل الميلاد) اهتم بالخيول بالمقارنة مع من سبقه بعد أن اكتشف العديد من الإسطبلات الملكية، التي كانت تُعنى بتربية الخيول والمهر. وقيمة هذه الخيول لا تقدر بالذهب والفضة، وعندما مات بيناخي كان لديه أربعة خيول كان قد أمر أن تُدفن معه؛ حتى تقوم أرواحهم معه في العالم الآخر وهي واقفة تنظر إلى أسفل.
هذا كان العصر الذهبي لملوك وفراعنة مصر المحبين للخيل
التعليقات/ 0